الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***
105- حدثنا ابنُ أَبي عُمَرَ حدثنا سفْيانُ عنْ أَيّوبَ بن مُوسَى عنْ (سَعِيدٍ) المقُبريّ عن عبدِ الله بن رافعٍ عنْ أُمّ سَلَمَةَ قالتْ: "قلت: يا رسول الله، إِنّي امْرَأَةٌ أَشُدّ ضَفْرَ رأْسِى، أَفأَنْقُضُهُ لِغُسْلِ الْجَنَابَةِ؟ قال: لاَ، إِنمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَحْثِينَ عَلَى رأْسِكِ ثَلاَثَ حَثَيَاتٍ مِنْ مَاءٍ، ثمّ تُفِيضِينَ عَلَى سَائرِ جَسَدِكِ المَاءَ فَتَطْهُرِينَ. أَوْ قالَ: فإِذَا أَنتِ قَدْ تَطَهّرْتِ". قال أبو عيسى: هَذَا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنّ المَرْأَةَ إِذَا اغْتَسَلَتْ مِنَ الْجَنَابَةِ فَلَمْ تَنْقُضْ شَعْرَهَا إِنّ ذَلِكَ يُجْزِئُهَا بَعْدَ أَنْ تُفِيضَ المَاءَ عَلَى رأْسِهَا. قوله: (نا سفيان) هو ابن عيينة كما في رواية أبي داود (عن أيوب بن موسى) ابن عمرو بن سعيد بن العاص الأموي، الفقيه الكوفي، من رجال الكتب الستة، قال ابن المديني له نحو أربعين حديثاً. وثقة أحمد وقال يحيى أصيب مع داود بن علي في سنة ثلاثين ومائة له في البخاري فرد حديث (عن المقبري) وفي رواية مسلم عن سعيد بن أبي سعيد المقبري قال الحافظ في التقريب ثقة من الثالثة تغير قبل موته بأربع سنين انتهى قلت هو من رجال الكتب الستة (عن عبد الله بن رافع) المخزومي المدني مولى أم سلمة ثقة من الثالثة، روى عن مولاته أم سلمة وأبي هريرة وعنه سعيد المقبري وابن إسحاق وثقه أبو زرعة (عن أم سلمة) بفتح السين وكسر اللام واسمها هند بنت أبي أمية واسم أبي أمية سهيل ويقال له زاد الراكب كانت عند أبي سلمة بن عبد الأسد فهاجر بها إلى أرض الحبشة الهجرتين فولدت له هناك زينب وولدت له بعد ذلك سلمة وعمرو درة ومات أبو سلمة في جمادي الأخرى سنة 4 أربع من الهجرة فتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة في ليال بقين من شوال سنة أربع وتوفيت سنة 59 تسع وخمسين وقيل سنة 62 ثنتين وستين والأول أصح، قال أبو نعيم الأصبهاني وصلى عليها سعيد بن زيد وهو غلط والصحيح أبو هريرة وقبرت بالبقيع وهي ابنة أربع وثمانين سنة كذا في تلقيح فهوم أهل الأثر في عيون التاريخ والسير للحافظ ابن الجوزي. قوله: (إني امرأة أشد) بفتح الهمزة بضم الشين أي أحكم (ضفر رأسي) أو نسجه أو فتله بالضاد المفتوحة المعجمة والفاء الساكنة نسج الشعر وإدخال بعضه في بعض، والضفيرة الذؤابة قاله القاري وقال النووي بفتح الضاد وإسكان الفاء هذا هو المشهور المعروف في رواية الحديث والمستفيض عند المحدثين والفقهاء وغيرهم، ومعناه أحكم فتل شعري وقال الإمام ابن أبزي في الجزء الذي صنفه في لحن الفقهاء: من ذلك قولهم في حديث أم سلمة أشد ضفر رأسي بقولونه بفتح الضاد وإسكان الفاء وصوابه ضم الضاد الفاء جمع ضفيرة كسفينة وسفن، وهذا الذي أنكره ليس كما زعمه بل الصواب جواز الأمرين ولكل واحد منهما معنى صحيح ولكن يترجح ما قد مناه لكونه المروي المسموع في الروايات الثابتة المتصلة أفأنقضه لغسل الجنابة أي أفرقه لأجله حتى يصل الماء إلى باطنه وفي رواية مسلم أفأنقضه للحيضة والجنابة (قال لا إنما يكفيك) بكسر الكاف (أن تحثي) بكسر مثلثه وسكون ياء أصله تحثيين كتضربين أو تنصرين فحذف حرف العلة بعد نقل حركته أو حذفه وحذف النون للنصب كذا في مجمع البحار، قال القاري ولا يجوز فيه النصب والحثي الإثارة أي تصبي (ثم تفيضي) من الإفاضة عطف على تحثي أي تسيلي (فتطهرين) أي فأنت تطهرين. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة إلا البخاري. قوله: (والعمل على هذا عند أهل العلم أن المرأة إذا اغتسلت من الجنابة فلم تنقض شعرها إن ذلك يجزئها بعد أن تفيض الماء على رأسها) مذهب الجمهور أن المرأة إذا اغتسلت من الجنابة أو الحيض يكفيها أن تحثى على رأسها ثلاث حثيات ولا يجب عليها نقض شعرها، وقال الحسن وطاوس يجب النقض في غسل الحيض دون الجنابة وبه قال أحمد ورجح جماعة من أصحابه أنه للاستحباب فيهما. واستدل من قال بوجوب النقض في غسل الحيض دون الجنابة بقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة وانقضى رأسك وامتشطى. واستدل الجمهور بحديث أم سلمة المذكور في الباب وفي رواية لمسلم للحيضة والجنابة. وحملوا الأمر في قوله صلى الله عليه وسلم وانقضى رأسك على الاستحباب جمعا بين الروايتين أو بجمع بالتفصيل بين من لا يصل الماء إلى أصوله بالنقض فيلزم وإلا فلا هذا خلاصة ما ذكره الحافظ في الفتح. وقيل إن شعر أم سلمة كان خفيفاً فعلم صلى الله عليه وسلم أن يصل الماء إلى أصوله. وقيل بأنه إن كان مشدوداً نقض وإلا لم يجب نقضه لأنه يبلغ الماء أصوله. قال صاحب سبل السلام: لا يخفي أن حديث عائشة كان في الحج فإنها أحرمت بعمرة ثم حاضت قبل دخول مكة فأمرها صلى الله عليه وسلم أن تنقض رأسها وتمتشط وتغتسل بالحج وهي حينئذ لم تطهر من حيضها، فليس إلا غسل تنظيف لا حيض، فلا يعارض حديث أم سلمة أصلاً فلا حاجة إلى هذه التأويلات التي في غاية الركاكة، فإن خفة شعر هذه دون هذه بفتقر إلى دليل والقول بأن هذا مشدود وهذا غير منشدود والعبارة عنهما من الراوي بلفظ النقض دعوى بغير دليل انتهى.
106- حدثنا نَصْرُ بنُ عَلِيّ حدثنا الْحَارِثُ بنُ وَجِيهٍ قال حدثنا مَالِكَ بنُ دينَارٍ عَنْ محمّدِ بن سِيرِينَ عنْ أَبي هُرَيْرةَ عَنِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "تَحْتَ كلّ شَعْرَةٍ جَنَابةٌ، فَاغْسِلُوا الشّعْرَ وَأَنْقُوا البَشَرَ". (قال): وفي البابِ عنْ عَلِيٍ، وَأَنسٍ. قال أبو عيسى: حديثُ الْحَارثِ بن وَجِيهٍ حديثٌ غَريبٌ، لاَ نَعْرِفُه إلا مِنْ حديِثهِ. وهُو شَيْخٌ ليس بِذَاكَ. وقَدْ رَوى عَنْهُ غَيْرُ وَاحدٍ منَ الأئمّةِ. وقَدْ تفرّدَ بهَذَا الْحَديثِ عنْ مَالِكِ بن دِينَارٍ ويُقَالُ (الْحَارِثُ بنُ وجِيهٍ) ويُقَالُ (ابنُ وجْبَةَ). قوله: (نا الحارث بن وجيه) بالواو والجيم والياء التحتانية والهاء بوزن فعيل، وقيل بفتح الواو وسكون الجيم بعدها موحدة الراسي أبو محمد البصري ضعيف كذا في التقريب (نا مالك بن دينار) البصري الزاهد أبو يحيى صدوق عابد وثقه النسائي مات سنة 130 ثلاثين ومائة (عن محمد بن سيرين) الأنصاري البصري ثقة ثبت عابد كبير القدر كان لا يرى الرواية بالمعنى من الثالثة مات 110 سنة عشر ومائة، روى عن مولاه أنس وزيد بن ثابت وأبي هريرة وطائفة من كبار التابعين، وعنه الشعبي وثابت وقتادة ومالك بن دينار وخلق كثير، قال ابن سعد كان ثقة مأموناً عالياً رفيعاً فقيها إماماً كثير العلم وقال أبو عوانة رأيت ابن سيرين في السوق فما رأه أحد إلا ذكر الله، وروى أنه اشترى بيتاً فأشرفت فيه على ثمانين ألف دينار فعرض في قلبه شيء فتركه. قوله: (تحت كل شعرة جنابة) فلو بقيت شعرة واحدة لم يصل إليها الماء بقيت جنابة، والشعر بفتح الشين وسكون العين للانسان وغيره، فيجمع على شعور مثل فلس وفلوس وبفتح العين فيجمع على أشعار مثل سبب وأسباب وهو مذكر الواحد شعرة والشعرة بكسر الشين على وزن سدرة شعر الركب للنساء خاصة، قاله في العباب (فاغسلوا الشعر) بفتح العين وسكونها أي جميعه قال الخطابي ظاهر هذا الحديث يوجب نقض القرون والضفائر إذا أراد الاغتسال من الجنابة لأنه لا يكون شعره مغسولا إلا أن ينقضها وإليه ذهب إبراهيم النخعي وقال عامة أهل العلم إيصال الماء إلى أصول الشعر وإن لم ينقض شعره يجزيه والحديث ضعيف انتهى (وانقوا البشر) من الإنقاء نظفوا البشر من الأوساخ لأنه لو منع شيء من ذلك وصول الماء لم يرتفع الجنابة، والبشر بفتح الباء والشين قال الجوهري في الصحاح البشر ظاهر جلد الإنسان. قوله: (وفي الباب عن على وأنس) أما حديث على فأخرجه أحمد وأبو داود عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من ترك موضع شعرة من جنابة لم يصبها الماء فعل الله به كذا وكذا من النار، قال على فمن ثم عاديت شعري، زاد أبو داود وكان يجز شعره رضي الله عنه كذا في المنتقى، وقال الحافظ في التلخيص إسناده صحيح فإنه من رواية عطاء بن السائب وقد سمع منه حماد بن سلمة قبل الاختلاط أخرجه أبو داود وابن ماجه من حديث حماد لكن قيل إن الصواب وقفه على علي انتهى، وأما حديث أنس فأخرجه أبو يعلى والطبراني في الصغير وفيه: ويا أنس بالغ في الاغتسال في الجنابة فإنك تخرح من مغتسلك وليس عليك ذنب ولا خطيئة، قال قلت كيف المبالغة يا رسول الله قال تبل أصول الشعر وتنقي البشرة الحديث، وفيه محمد بن الحسن بن أبي يزيد وهو ضعيف قال الهيثمي وفي الباب أيضاً عن أبي أيوب أخرجه ابن ماجه في حديث فيه أداء الأمانة وغسل الجنابة فإن تحت كل شعرة جنابة وإسناده ضعيف كذا في التلخيص. قوله: (حديث الحارث بن وجيه غريب إلخ) وأخرجه أبو داود وابن ماجه والبيهقي قال الحافظ في التلخيص مداره على الحارث بن وجيه وهو ضعيف جداً، قال أبو داود الحارث حديثه منكر وهو ضعيف، وقال الشافعي الحديث ليس بثابت، وقال البيهقي أنكره أهل العلم بالحديث البخاري وأبو داود وغيرهما انتهى كلام الحافظ (وهو شيخ ليس بذلك) وفي بعض النسخ ليس بذلك أي بذاك المقام الذي يوثق به أدى روايته ليست بقوية كذا في الطيبي، وظاهره يقتضي أن قوله وهو شيخ للجرح وهو مخالف لما عليه عامة أصحاب الجرح والتعديل من أن قولهم شيخ من ألفاظ مراتب التعديل، فعلى هذا بجيء إشكال آخر في قول الترمذي لأن قولهم ليس بذاك من ألفاظ الجرح اتفاقاً فالجمع بينما في شخص واحد جمع بين المتنافيين فالصواب أن يحمل قوله وهو شيخ على الجرح بقرينة مقارنته بقوله ليسا بذاك وإن كان من ألفاظ التعديل ولإشعاره بالجرح لأنهم وإن عدوه في ألفاظ التعديل صرحو أيضاً بإشعاره بالقرب من التجريح، أو نقول لا بد في كون الشخص ثقة من شيئين العدالة والضبط كما بين في موضعه فإذا وجد في الشخص العدالة دون الضبط بجوز أن يعدل بإعتبار الصفة الأولى ويجوز أي يجرح بإعتبار الصفة الثانية فإذا كان كذلك لا يكون الجمع بينهما جمعاً بين المتنافيين كذا في السيد جمال الدين رحموه الله كذا في المرقاة.
107- حدثنا إسْمَاعيلُ بن مُوسى حَدثنا شَرِيكٌ عنْ أَبي إسْحاقَ عن الأسْوَدِ عنْ عَائِشَة: "أَنْ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ لاَ يَتوَضأ بَعْدَ الْغُسْلِ". قال أبو عيسى: هَذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. قال أبو عيسى: وهذَا قَوْلُ غَيْرِ واحدٍ مِنْ (أهْلِ الْعِلْمِ): أَصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم والتّابعينَ: أَنْ لاَ يَتَوَضّأَ بعد الْغُسلِ. قوله: (حدثنا إسمعيل بن موسى) الفزاري أبو محمد ابن بنت السدي قال النسائي ليس به بأس قال ابن عدي أنكروا منه الغلو في التشيع كذا في الخلاصة، وقال في التقريب صدوق يخطئ ورمي بالرفض. قوله: (كان لا يتوضأ بعد الغسل) أي اكتفاء بوضوئه الأول في الغسل أو باندراج ارتفاع الحدث الأصغر تحت ارتفاع الأكبر بإيصال الماء إلى جميع أعضائه وهو رخصة قاله القاري، قلت المعتمد هو الأول والله تعالى أعلم. وفي رواية ابن ماجه لا يتوضأ بعد الغسل من الجنابة، قال في المنتقى بعد ذكر هذا الحديث رواه الخمسة، وقال في النيل: قال الترمذي حديث حسن صحيح، قلت ليس في النسخ الموجودة عندنا قول الترمذي، وقال القاضي الشوكاني قال ابن سيد الناس في شرح الترمذي تختلف نسخ الترمذي في تصحيح حديث عائشة وأخرجه البيهقي بأسانيد جيدة. وفي الباب عن ابن عمر مرفوعاً وعنه موقوفاً أنه قال لما سئل عن الوضوء بعد الغسل: وأي وضوء أعم من الغسل، رواه ابن أبي شيبة وروى ابن أبي شيبة أيضاً أنه قال لرجل قال له إني أتوضأ بعد الغسل فقال لقد تعمقت، وروى عن حذيفة أنه قال أما يكفي أحدكم أن يغسل من قرنه إلى قدمه، وقد روى نحو ذلك عن جماعة من الصحابة ومن بعدهم حتى قال أبو بكر بن العربي إنه لم يختلف العلماء أن الوضوء داخل تحت الغسل وأن نية طهارة الجنابة تأتي على طهارة الحدث وتقضي عليها لأن موانع الجنابة أكثر من موانع الحدث، فدخل الأقل في نية الأكثر وأجزأت نية الأكبر عنه انتهى. فإن قلت: كيف يكون حديث الباب صحيحاً وفي إسناده شريك بن عبد الله النخعي وهو وإن كان صدوقاً لكنه يخطئ كثيراً وتغير حفظه منذ ولي قضاء الكوفة. قلت: قال أحمد هو في أبي إسحاق أثبت من زهير، وقد روى حديث الباب عن أبي إسحاق ثم لم ينفرد هو في روايته بل تابعه زهير في رواية أبي داود وأخرجه البيهقي بأسانيد صحيحة كما عرفت. قوله: (هذا قول غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلخ) بل لم يختلف فيه العلماء كما صرح به ابن العربي.
(باب ما جاء إذا التقى الختانان وجب الغسل إلخ) المراد بالختانان ختان الرجل وخفاض المرأة، وختان الرجل هو مقطع جلدة كمرته وخفاض المرأة هو مقطع جلدة في أعلى فرجها تشبه عرف الديك بينها وبين مدخل الذكر جلدة رقيقة، وإنما ثنيا بلفظ واحد تغليباً، وله نظائر وقاعدته رد الأثقل إلى الأخف والأدنى إلى الأعلى 108- حدثنا أَبو مُوسى محمّدُ بنُ المُثنّى حدثنا الْوَليدُ بنُ مُسْلِمٍ عَنِ الأوْزَاعيّ عن عبْدِ الرّحمَنِ بن الْقَاسِمِ عَنْ أَبيهِ عن عَائِشَةَ قَالَتْ: "إِذا جَاوَزَ الْخِتَانُ الْخِتَانُ (فَقَدْ) وَجَبَ الْغُسْلُ، فَعَلْتُهُ أَنَا وَرسولُ الله صلى الله عليه وسلم فاغْتَسَلْنَا". (قال): وفي الْباب عن أَبي هُرَيْرَةَ، وَعبْد الله بنِ عَمْروٍ، وَرافعِ بن خَديجٍ. 109- حدثنا هَنّادٌ حدثنا وكيعٌ عنْ سفْيَانَ عن عَلِيّ بْنِ زَيدٍ عنْ سعيد بن المُسَيّبِ عنْ عَائِشَةَ قالت: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم "إذَا جَاوزَ الْخِتَانُ الْخِتَانَ وجَبَ الْغُسْلُ". قال أبو عيسى: حديثُ عَائِشَةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. (قال): وقَدْ رُوِيَ هذَا الْحَديثُ عنْ عَائِشَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَيْرِ وجْهٍ: "إِذَا جَاوَزَ الْخِتَانُ الْخِتَانَ (فقدْ) وَجَبَ الْغُسْلُ". وهُو قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ منْ أَصْحابِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم منْهُمْ: أَبو بَكْرٍ، وعُمَرُ، وعُثْمانُ، وعَلِيّ، وعَائشَةُ ـ: والْفُقَهَاءِ مِنَ التّابعِينَ ومَنْ بَعْدهُمْ، مِثْلِ: سفْيانَ الثّوْريّ، والشّافعِيّ، وأَحْمَدَ، وإِسْحَاقَ. قَالُوا: إِذا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وجَبَ الْغُسْلُ. قوله: (عن عبد الرحمن بن القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق التيمي المدني ثقة جليل، قال ابن عيينة كان أفضل أهل زمانه عن أبيه وأسلم العدوي وعنه شعبة ومالك وخلق ووثقه أحمد وإبن سعد وأبو حاتم مات سنة 126 ست وعشرين ومائة (عن أبيه) أي القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ثقة أحد الفقهاء بالمدينة، قال أيوب ما رأيت أفضل منه من الثالثة مات سنة 106 ست ومائة على الصحيح كذا في التقريب، قلت هو أحد الفقهاء السبعة بالمدينة، روى عن عائشة وأبي هريرة وابن عباس وابن عمر وطائفة، وعنه الشعبي والزهري وخلق، قال ابن سعد كان ثقة عالماً فقيها إماماً كثير الحديث. قولهم: (إذا جاوز الختان الختان) الأول بالرفع والثاني بالنصب، والختان هو موضع القطع من فرج الذكر والأنثى، وهو أعم من أن يكون مختوناً أم لا والمراد بمجاوزة الختان الختان الجماع وهو غيبوبة الحشفة، وفي رواية عبد الله بن عمرو بن العاصى إذا التقى الختانان وتوارت الحشفة فقد وجب الغسل، أخرجه ابن ماجه (وجب الغسل) بضم الغين المعجمة اسم للاغتسال (فعلته) الضمير راجع إلى مصدر جاوز (أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم) بالرفع أو النصب (فاغتسلنا) ظاهره أنها تعني بغير إنزال وأنه ناسخ لمفهوم حديث إنما الماء من الماء. قولهم: (وفي الباب عن أبي هريرة وعبد الله بن عمرو ورافع بن خديج) أما حديث أبي هريرة فأخرجه الشيخان ولفظه إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب عليه الغسل، ولمسلم وأحمد وإن لم ينزل، وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه ابن ماجه وتقدم لفظه، وأما حديث رافع بن خديج فأخرجه أحمد والحازمي في كتاب الاعتبار ولفظه قال: ناداني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا على بطن امرأتي فقمت ولم أنزل فاغتسلت وخرجت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث، وفيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عليك الماء من الماء، قال رافع ثم أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بالغسل، قال الحازمي بعد رواية هذا الحديث هذا حديث حسن، قال الشوكاني في النيل في تحسينه نظر، لأن في إسناده رشدين وليس من رجال الحسن، وفيه أيضاً مجهول انتهى. قلت: الأمر كما قال الشوكاني. قوله: (عن علي بن زيد) بن جدعان التيمي البصري أصله حجازي ضعيف روى عن ابن المسيب وعنه قتادة والسفيانان والحمادان وخلق، قال أحمد وأبو زرعة ليس بالقوي وقال ابن خزيمة سيء الحفظ وقال شعبة حدثنا علي بن زيد قبل أن يختلط وقال يعقوب بن شيبة ثقة، وقال الترمذي صدوق إلا أنه ربما يرفع الشيء الذي يوقفه غيره. قوله: (إذا جاوز الختان الختان) قال في مجمع البحار: أي حاذي أحدهما الاَخر سواء تلامسا أو لا كما إذا لف الذكر بالثوب وأدخل انتهى، قال الشوكاني ورد الحديث بلفظ المحاذاة وبلفظ الملاقاة وبلفظ الملامسة وبلفظ الالإلصاق، والمراد بالملاقة المحاذاة، قال القاضي أبو بكر إذا غابت الحشفة في الفرج فقد وقعت الملاقاة قال ابن سيد الناس وهكذا معنى مس الختان الختان أي قاربه وداناه، ومعنى إلزاق الختان بالختان إلصاقه به، ومعنى المجاوزة ظاهر قال ابن سيد الناس في شرح الترمذي حاكياً عن ابن العربي وليس المراد حقيقة اللمس ولا حقيقة الملاقاة وإنما هو من باب المجاز والكناية عن الشيء بما بينه وبينه ملابسة وهو ظاهر وذلك أن ختان المرأة في أعلى الفرج ولا يمسه الذكر في الجماع وقد أجمع العلماء على أنه لو وضع ذكره على ختانها ولم يولجه لم يجب الغسل على واحد منهما فلا بد من قدر زائد على الملاقاة وهو ما وقع مصر حابه في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص بلفظ إذا التقى الختانان وتوارت الحشفة فقد وجب الغسل أخرجه ابن أبي شيبة انتهى، قلت وأخرجه ابن ماجة أيضاً. قوله: (حديث عائشة حديث حسن صحيح) والحديث صححه ابن حبان وابن القطان وأعله البخاري بأن الأوزاعي أخطأ فيه، ورواه غيره عن عبد الرحمن بن القاسم مرسلا، واستدل على ذلك بأن أبا الزناد قال سألت القاسم بن محمد سمعت في هذا الباب شيئاً فقال لا، وأجاب من صححه بأنه يحتمل أن يكون القاسم كان نسيه ثم تذكر فحدث به أبنه أو كان حدث به ثم نسي، ولا يخلو الجواب عن نظر، قال الحافظ وأصله في مسلم بلفظ إذا جلس بين شعبها الأربع ومس الختان الختان فقد وجب الغسل وقال النووي هذا الحديث أصله صحيح لكنه فيه تغير، وتبع في ذلك ابن الصلاح. قوله: (وهو قول أكثر أهل العلم إلخ) قال النووي: اعلم أن الأمة مجتمعة الاَن على وجوب الغسل بالجماع وإن لم يكن معه إنزال، وكانت جماعة من الصحابة على أنه لا يجب إلا بالإنزال ثم رجع بعضهم وانعقد الإجماع بعد الاَخرين انتهى، وقال ابن العربي: إيجاب الغسل أطبق عليه. الصحابه ومن بعدهم، وما خالف فيه إلا داود ولا عبر بخلافه، قال الحافظ في الفتح: وأما نفي ابن العربي الخلاف فمعترض، فإنه مشهور بين الصحابة ثبت عن جماعة منهم، لكن ادعى ابن القصار أن الخلاف ارتفع بين التابعين، وهو معترض أيضاً، فقد قال الخطابي: إنه قال به جماعة من الصحابة فسمي بعضهم، قال ومن التابعين الأعمش، وتبعه عياض لكن لم يقل به أحد بعد الصحابة غيره، وهو معترض أيضاً، فقد ثبت ذلك عن أبي سلمة ابن عبد الرحمن وهو في سنن أبي داود بإسناد صحيح، وعن هشام بن عروة عند عبد الرزاق بإسناد صحيح وقال الشافعي في اختلاف الحديث: حديث الماء من الماء ثابت لكنه منسوخ، إلى أن قال فخالفنا بعض أهل ناحيتنا يعني من الحجازيين فقالوا لا يجب الغسل حتى ينزل هو فعرف بهذا أن الخلاف كان مشهوراً بين التابعين ومن بعدهم، لكن الجمهور على إيجاب الغسل وهو الصواب انتهى كلام الحافظ. قلت: لا شك في أن مذهب الجمهور هو الحق والصواب. وأما حديث الماء من الماء وما في معناه فهو منسوخ، ويأتي بيان النسخ في الباب الاَتي:.
(باب ما جاء أن الماء من الماء) مقصود الترمذي من عقد هذا الباب أن حديث الماء من الماء منسوخ، وهذا الحديث أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأثنين إلى قباء حتى إذا كنا في بني سالم وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على باب عتبان فصرخ به فخرج يجر، رداءه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعجلنا الرجل، فقال عتبان أرأيت الرجل يعجل عن أمرأته ولم يمن ماذا عليه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما الماء من الماء، والمراد بالماء الأول ماء الغسل، وبالثاني المني وفيه جناس تام 110- حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ حدثنا عبدُ الله بنُ المُبَارَك أَخْبَرَنَا يُونُسُ بنُ يَزِيدَ عنِ الزّهَرِيّ عن سْهلِ بنِ سْعدٍ عن أُبَيّ بنِ كَعْبٍ قالَ: "إنّمَا كَانَ المَاءُ مِنَ الماءِ رُخْصَةً في أَوّل الاْسلامِ، ثمّ نُهِيَ عَنْهَا". 111- حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ حدّثَنَا (عبْدُ الله) بنُ المُبَارَكِ أَخْبَرَنَا معمَرٌ عَنِ الزّهْرِيّ، بهَذَا الاْسنَادِ مِثْلَهُ: قال أبو عيسى: هذَا حديثٌ حسنٌ صحِيحٌ. وإِنّمَا كَانَ المَاءُ مِنَ الماءِ فِي أَوّلِ الاْسلامِ، ثمّ نُسِخَ بَعْدَ ذَلِكَ. وهَكَذَا رَوَى غَيْرُ واحِدٍ من أَصْحَابِ النبّيّ صلى الله عليه وسلم، منْهُمْ: أُبيّ بنُ كَعْبٍ، ورَافعُ بنُ خَديجٍ. والْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ: عَلَى أَنّهُ إِذَا جَامَعَ الرّجُلُ امرأَتَهُ في الْفَرْجِ وجَبَ عَلَيْهمَا الْغُسْلُ، وإِنْ لَمْ يُنْزِلاَ. 112- حدثنا عِليّ بنُ حُجْرٍ أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ عن أبي الْجَحّافِ عنْ عِكْرَمةَ عَنِ ابْنِ عباسٍ قَالَ: "إِنّمَا المَاءُ مِنَ المَاءِ فِي الاحْتِلاَمِ". قال أبو عيسى: سَمِعْتُ الْجَارُودَ يَقولُ: سَمِعْتُ وكِيعاً يَقولُ: لَمْ نَجِدْ هَذَا الْحَديثَ إِلاّ عِنْدَ شَرِيكٍ. (قال أبو عيسى): (و) أَبو الْجَحّافِ اسْمَهُ (دَاوُدَ بنُ أَبي عَوْفٍ). ويُرْوى عَنْ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ (قَالَ): حدثنا أَبو الْجَحّافِ وكَانَ مَرْضِيّا. (قال أبو عيسى): وفي البابِ عنْ عُثْمانَ بنِ عَفّانَ، وعَلِيّ بْنِ أَبي طالِبٍ والزّبَيْرِ، وطَلْحَةَ، وأَبي أَيّوبَ، وأَبي سعِيدٍ: عَنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم (أَنّهُ) قَال: "المَاءُ مِنَ المَاءِ". قوله: (ثنا يونس بن يزيد) ابن أبي النجاد الأيلى أبو زيد مولى آل أبي سفيان، ثقة إلا أن في روايته عن الزهري وهما قليلاً، وفي غير الزهري خطأ. قاله الحافظ في التقريب، وقال في مقدمة فتح الباري: قال ابن أبي حاتم عن عباس الدوري: قال ابن معين أثبت الناس في الزهري مالك ومعمر ويونس وشعيب، وقال عثمان الدارمي عن أحمد بن صالح نحن لا نقدم على يونس في الزهري أحداً. قال ووثقه الجمهور مطلقاً ضعفوا بعض روايته حيث يخالف أقرانه، ويحدث من حفظه فإذا حدث من كتابه فهو حجة، قال واحتج به الجماعة (عن سهل بن سعد) بن مالك بن خالد الأنصاري الخزرجي الساعدي، له ولأبيه صحبة مشهور مات سنة 88 ثمان وثمانين وقيل بعدها. قوله: (إنما كان الماء من الماء رخصة في أول الإسلام ثم نهى عنها) أي عن هذه الرخصة وفرض الغسل بمجرد الإيلاج، وفي رواية أبي داود أن الفتيا التي كانوا يفتون أن الماء من الماء كان رخصة رخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم في بدء الإسلام ثم أمر بالاغتسال بعد، وفي رواية للحازمي في كتاب الاعتبار قال: كان الماء من الماء شيئاً في أول الإسلام ثم ترك ذلك بعد وأمروا بالغسل إذا مس الختان. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد وأبو داود والدارمي، وقال الحافظ في الفتح هو إسناد صالح لأن يحتج به، وقال فيه: صححه ابن خزيمة وابن حبان. قوله: (وإنما كان الماء من الماء في أول الإسلام ثم نسخ بعد ذلك) لا شك في أن حديث أبي بن كعب المذكور صريح في النسخ. على أن حديث الغسل وإن لم ينزل أرجح من حديث الماء من الماء لأنه بالمنطوق، وترك الغسل من حديث الماء من الماء بالمفهوم أو بالمنطوق أيضاً. لكن ذلك أصرح منه. كذا في الفتح (منهم أبي بن كعب ورافع بن خديج) أما. رواية أبي بن كعب فهي مذكورة في هذا الباب. أما رواية رافع بن خديج فأخرجها الحازمي في كتاب الاعتبار وقد تقدمت. قوله: (عن أبي الجعاف) بفتح الجيم وتثقيل المهملة وآخره فاء، اسمه داود بن أبي عوف، مشهور بكنيته صدوق شيعي ربما أخطأ كذا في التقريب، وقال في الخلاصة روى عن أبي حازم وعكرمة وعنه شريك والسفيانان وثقه أحمد وابن معين وقال النسائي ليس به بأس قال ابن عدي لا يحتج به انتهى، وقال في التهذيب قال ابن معين يخطئ. قوله: (إنما الماء من الماء في الاحتلام) يعني أن حديث الماء بالماء محمول على صورة مخصوصة، وهي ما يقع في المنام من رواية الجماع، وهو تأويل بجمع بين الحديثين من غير تعارض، قال التوربشتي قول ابن عباس: إنما الماء من الماء إلخ قاله من طريق التأويل والاحتمال ولو انتهى إليه الحديث بطوله لم يكن يأوله هذا التأويل انتهى. قلت: أراد التوربشتي بالحديث بطوله حديث أبي سعيد الذي رواه مسلم وقد نقلناه من صحيحه في أول هذا الباب، وقال الشيخ عبد الحق الدهلوي: يمكن أن يقال إن قول ابن عباس هذا ليس تأويلاً للحديث، وإخراجا له بهذا التأويل من كونه منسوخاً، بل غرضه بيان حكم المسألة بعد العلم بكونه منسوخاً، وحاصله أن عمومه منسوخ فبقي الحكم في الاحتلام انتهى. قوله: (سمعت الجارود) أي الجارود بن معاذ السلمي الترمذي ثقة رمي بالإرجاء، روى عن جرير وابن عيينة والوليد بن مسلم، وعنه الترمذي والنسائي ووثقه توفي سنة 244 أربع وأربعين ومائتين (لم نجد الحديث إلا عند شريك) هو ابن عبد الله الكوفي صدوق يخطئ كثيراً تغير حفظه منذ ولي الكوفة، قال الحافظ في التلخيص إسناده لين لأنه من رواية شريك عن أبي الجحاف انتهى. قوله: (وفي الباب عن عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب والزبير وطلحة وأبي أيوب وأبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الماء من الماء) لم أجد عندهم هذا الحديث بهذا اللفظ لكن أخرج البخاري في صحيحه من طريق زيد بن خالد الجهني أنه سأل عثمان بن عفان فقال: أرأيت إذا جامع الرجل امرأته فلم يمن. فقال عثمان يتوضأ كما يتوضأ للصلاة ويغسل ذكره، وقال عثمان سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألت عن ذلك على بن أبي طالب والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وأبي بن كعب فأمروه بذلك، وأخبرني أبو سلمة أن عروة بن الزبير أخبره أنا أبا أيوب أخبره أنه سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الحافظ في الفتح: قد حكى الأثرم عن أحمد أن حديث زيد بن خالد هذا معلول لأنه ثبت عن هؤلاء الخمسة الفتوى بخلاف ما في هذا الحديث، وقد حكى يعقوب بن أبي شيبة عن علي بن المديني أنه شاذ. والجواب عن ذلك أن الحديث ثابت من جهة اتصال إسناده وحفظ رواته، وقد روى ابن عيينة أيضاً عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار نحو رواية أبي سلمة عن عطاء، أخرجه ابن أبي شيبة وغيره، فليس هو فرداً، وأما كونهم أفتوا بخلافه فلا يقدح ذلك في صحته لاحتمال أنه ثبت عندهم ناسخه فذهبوا إليه، وكم من حديث منسوخ وهو صحيح من حديث الصناعة الحديثية انتهى كلامه.
113- حَدّثَنَا أحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ حدّثنَا حمّادُ بنُ خَالِدٍ الْخَيّاطُ عَنْ عبْد الله بنِ عُمَرَ (هُوَ العُمَرِيّ) عَنْ عُبَيْدِ الله بنِ عُمَرَ عنِ الْقَاسِمِ بنِ مُحَمّدٍ عنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "سُئِلَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم عنِ الرّجُلِ يَجِدُ الْبَلَلَ وَلاَ يَذْكُرُ احْتِلاَماً؟ قَالَ: يَغْتَسِلُ. وَعنِ الرّجُلِ يَرَى أنّهُ قَدِ احْتَلَمَ ولَمْ يَجِدْ بَلَلاً؟ قَالَ: لا غُسْلَ علَيْهِ. قَالَتْ أُمّ سَلمَةَ: يَا رَسُولَ الله، هَلْ عَلَى الْمرْأَةِ تَرى ذَلِكَ غُسْلٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنّ النسَاءَ شقَائِقُ الرّجَالِ". قال أبو عيسى: وَإِنّمَا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَبدُ الله بنُ عُمَرَ عنْ عُبَيدِ الله بن عُمَرَ: حَدِيثَ عَائِشَةَ في الرّجُلِ يَجِدُ البَلَلَ وَلاَ يَذْكُرُ احْتِلاَماً. وَعَبدُ الله (بنُ عَمرَ) ضَعّفَهُ يَحْيى بنُ سَعِيدٍ مِنْ قِبَلِ حِفْظهِ (فِي الْحَدِيثِ). وَهُوَ قَوْلُ غَيْر واحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصحَابِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَالتّابعِينَ: إِذَا اسْتَيْقَظَ الرّجُلُ فَرَأَى بِلّةً أَنّهُ يَغْتَسِلُ. وهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ لثّوْرِيّ وأَحْمَدَ. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِن التّابِعينَ: إِنّمَا يَجِبُ عَليْهِ الْغُسْلُ إِذَا كَانَتْ الِبلّةُ بِلّةَ نُطْفَةٍ. وهُوَ قَوْلُ الشّافِعيّ وَإِسحاقَ. وَإِذَا رَأَى احْتِلاَماً ولَمْ يَرَ بِلّةً فَلاَ غُسْلَ عَليْهِ عنْدَ عَامّةِ أَهْلِ الْعلْمِ. قوله: (نا حماد بن خالد الخياط) بالخاء المعجمة القرشي أبو عبد الله البصري نزيل بغداد أمي (عن عبد الله بن عمر) بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري المدني ضعيف عابد كذا في التقريب وسيجيء ما فيه من الكلام. قوله: (يجد البلل) بفتحتين الرطوبة (ولا يذكر احتلاماً) الاحتلام افتعال من الحلم بضم المهلمة وسكون الللام، وهو ما يراه النائم في نومه، يقال منه حلم بالفتح واحتلم، والمراد به ههنا أمر خاص وهو الجماع، أي لا يذكر أنه جامع في النوم (قال يغتسل) خير بمعنى الأمر وهو للوجوب (يرى) بفتح الياء أي يعتقد (قال لا غسل عليه) لأن البلل علامة ودليل، والنوم لا عبرة به، فالمدار على البلل سواء تذكر الاحتلام أم لا (قالت أم سلمة) وفي رواية أبي داود فقالت أم سليم (من النساء شقائق الرجال) هذه الجملة مستأنفة فيها معنى التعليل، قال ابن الأثير أي نظائرهم وأمثالهم كأنهن شققن منهم ولأن حواء خلقت من آدم عليه الصلاة والسلام، وشقيق الرجل أخوه لأبيه ولأمه لأن شق نسبة من نسبة يعني فيجب الغسل على المرأة برؤية البلل بعد النوم كالرجل انتهى. قوله: (حديث عائشة في الرجل يجد البلل) بدل من قوله هذا الحديث، قال في المنتقى بعد ذكر هذا الحديث رواه الخمسة إلا النسائي، وقال في النيل رجاله رجال الصحيح إلا عبد الله بن عمر العمري، وقد اختلف فيه ثم ذكر أقوال الجرح والتعديل فيه، ثم قال وقد تفرد به المذكور عند من ذكره المصنف من المخرجين له ولم نجده عن غيره، وهكذا رواه أحمد وابن أبي شيبة من طريقه فالحديث معلول بعلتين الأولى العمري المذكور والثانية التفرد وعدم المتابعة فقصر عن درجة الحسن والصحة انتهى. قوله: (وعبد الله) أي ابن عمر بن حفص العمري المذكور في السند (ضعفه يحيى بن سعيد من قبل حفظه في الحديث) قال الذهبي في الميزان: صدوق في حفظه شيء، روى عن نافع وجماعة، روى أحمد بن أبي مريم عن ابن معين ليس به بأس يكتب حديثه، وقال الدارمي قلت لابن معين كيف حاله في نافع قال صالح ثقة، وقال الفلاس كان يحيى القطان لا يحدث عنه، وقال أحمد بن حنبل صالح لا بأس به، وقال النسائي وغيره ليس بالقوي، وقال ابن عدي في نفسه صدوق، وقال ابن المديني عبد الله ضعيف، وقال ابن حبان كان ممن غلب عليه الصلاح والعبادة حتى غفل عن حفظ الأخبار وجودة الحفظ للاَثار، فلما فحش خطؤه استحق الترك ومات سنة 173 ثلاث وسبعين ومائة انتهى ما في الميزان. قوله: (وهو قول غير واحد من أهل العلم إلخ) قال الخطابي في معالم السنن: ظاهر هذا الحديث أي حديث عائشة المذكور في الباب يوجب الاغتسال إذا رأى بلة وإن لم يتيقن أنها الماء الدافق، وروى هذا القول عن جماعة من التابعين منهم عطاء والشعبي والنخعي، وقال أحمد بن حنبل أعجب إلى أن يغتسل، وقال أكثر أهل العلم لا يجب قال النسائي في سننه. قلت ما مال إليه الجماعة الأولى من أن مجرد رؤية البلة موجب للاغتسال هو أوفق بحديث الباب وبحديث أم سلمة أخرجه الشيخان بلفظ إذا رأت الماء، وبحديث خولة بنت حكيم بلفظ ليس عليها غسل حتى تنزل، فهذه الأحاديث تدل على اعتبار مجرد وجود المني سواء انضم إلى ذلك الدفق والشهوة أم لا، وهذا هو الظاهر وبه قال أبو حنيفة والله تعالى أعلم.
(باب ما جاء في المني والمذي) المني بفنح الميم وكسر النون وتشديد الياء آخر الحروف، وهو عام يشمل ماء الرجل وماء المرأة، وله خواص يعرف بها: إحداها الخروج بشهوة مع الفتور عقبه، الثانية الرائحة كرائحة الطلع، الثالثة الخروج بدفق ودفعات، هذا كله في مني الرجل. وأما المرأة، فهو أصفر رقيق كذا في النووي. وأما المذي وهو الماء الرقيق الذي يخرج عند الشهوة الضعيفة والملاعبة ونحوها من غير دفق. والودي وهو ماء أبيض كدر لا رائحة له يخرج بعد البول فموجبان للوضوء لا للغسل وقال الحافظ المذي فيه لغات أفصحها بفتح الميم وسكون الذال المعجمة وتخفيف الياء ثم بكسر الذال وتشديد الياء، وهو ماء أبيض رقيق لزج يخرج عند الملاعبة أو تذكر الجماع وإرادته وقد لا يحس بخروجه انتهى كلام الحافظ ت:) 38) 114- حدثنا مُحَمّدُ بنُ عَمْرٍو السّوّاقُ البَلْخِيّ حدثنا هُشَيْمٌ عَنْ يَزِيدَ بنِ أبِي زِيَاد ح (قَالَ) وحدثنا محْمودُ بنُ غَيْلاَنَ حَدّثنَا حُسَيْنٌ الْجعْفِيّ عَنْ زَائِدَةَ عنْ يَزِيدَ بنِ أبِي زِيَادٍ عَنْ عَبدِ الرّحمَنِ بنِ أبِي لَيْلَى عَنْ عَلِيّ قَالَ: "سأَلْتُ النّبيّ صلى الله عليه وسلم عنِ المَذْيِ؟ فَقَالَ: مِنَ المَذْيِ الْوُضوءِ، وَمِنَ المَنيّ الْغُسْلُ". (قالَ): وفي البابِ عَنِ الْمِقْدَادِ بنِ الأَسْوَدِ، وأُبِيّ بنِ كَعْبٍ. قال أبو عيسى: هَذَا حديثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَليّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَيْر وَجْهٍ: "مِنَ المَذْيِ الْوُضُوءُ، وَمِنَ المَنِيّ الغُسْل". وَهُوَ قَوْلُ عَامّةِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَالتّابِعِين (وَمَنْ بَعْدَهُمْ) وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ، وَالشّافِعِيّ: وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ. قوله: (عن علي قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم) هذا يدل على أن عليا رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه، وفي رواية مالك والبخاري ومسلم أنه قال فأمرت المقداد بن الأسود فسأله وفي رواية للنسائي أن عليا قال أمرت عمار بن ياسر وجمع ابن حبان بين هذا الاختلاف بأن علياً أمر عمارا أن يسأل ثم سأل بنفسه، قال الحافظ وهو جمع جيد إلا بالنسبة إلى آخره لكونه مغايراً لقوله إنه استحيى عن السؤال بنفسه لأجل فاطمة، فيتعين حمله على المجاز بأن بعض الرواة أطلق أنه سأل لكونه الاَمر بذلك وبهذا جزم الإسمعيلي ثم النووي (فقال من المذي الوضوء) فيه دليل على أن خروج المذي لا يوجب الغسل وإنما يجب به الوضوء. قوله: (وفي الباب عن المقداد بن الأسود وأبي بن كعب) أما حديث المقداد فأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وأما حديث أبي بن كعب فأخرجه ابن أبي شيبة وغيره. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وأخرجه البخاري ومسلم مختصراً وفي إسناد الترمذي يزيد بن أبي زياد وقد عرفت ما فيه من الكلام، وقد صحح الترمذي حديث يزيد هذا في مواضع وحسنه في موضع كما عرفت في المقدمة، فلعل تصحيحه وتحسينه بمشاركة الأمور الخارجة عن نفس السند من اشتهار المتون ونحو ذلك، وإلا فيزيد ليس من رجال الحسن فكيف الصحيح، وأيضاً الحديث من رواية ابن أبي ليلى عن علي وقد قيل إنه لم يسمع منه. قوله: (وهو قول عامة أهل العلم إلخ) قال الحافظ في الفتح وهو إجماع.
(باب في المذي يصيب الثوب) المذي بفتح الميم وسكون الذال وتخفيف الياء البلل اللزج من الذكر عند ملاعبة النساء، ولا يجب فيه الغسل، وهو نجس يجب غسله وينقض الوضوء، ورجل مذاء فعال للمبالغة في كثرة المذي وقد أمذى الرجل بمذي ومذى كذا في النهاية 115- حدثنَا هَنّادٌ حدثنَا عَبْدَةُ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدٍ، هُوَ ابْنُ السّبّاقِ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ: "كُنْتُ أَلْقَىَ مِنَ المَذْيِ شِدّةً وَعَنَاءً، فَكُنْتُ أُكْثِرُ منْهُ الْغُسْلَ. فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَسَأَلْتُهُ عَنْهُ؟ فَقَالَ: إنّمَا يُجْزِئُكَ مِنْ ذَلِكَ الْوُضُوء. فَقلت: يَا رَسُولَ الله، كَيْفَ بِمَا يُصِيبُ ثَوْبِي مِنْهُ؟ قَالَ: يَكْفِيكَ أَنْ تَأْخُذَ كَفّا مِنَ مَاءٍ فَتَنْضَحَ به ثَوْبَكَ حَيْثُ تَرَى أَنّهُ أَصَابَ مِنْهُ". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، لاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمّدِ بنْ إِسْحَاقَ فِي المَذْيِ مِثْلَ هَذَا. وَقَدِ اخْتَلفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْمَذْيِ يُصِيبُ الثّوْبَ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لاَ يُجْزِيّ إِلاّ الغَسْلُ، وَهُوَ قَوْلُ الشّافِعِيّ، وَإِسْحَاقَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يجْرِئُهُ النّضْح. وَقَالَ أَحْمَدُ: أَرْجُو أَنْ يُجْزِئَهُ النّضْحُ بِالْمَاءِ. قوله: (نا عبدة) بن سليمان الكلابي أبو محمد الكوفي ثقة وقد تقدم (عن محمد بن إسحاق) ثقة إلا أنه مدلس وروايته عن سعيد بن عبيد عند الترمذي بالعنعنة، وعند أبي داود بالتحديث فزالت علة التدليس (عن سعيد بن عبيد) بالتصغير وفي رواية أبي داود حدثني سعيد بن عبيد (هو ابن السباق) بشد الموحدة، قال في التقريب سعيد بن عبيد بن السباق الثقفي أبو السباق المدني ثقة من الرابعة انتهى قلت روى عن أبيه وعن أبي هريرة وعنه الزهري وابن إسحاق وثقه النسائي (عن أبيه) هو عبيد بن السباق بفتح السين المهملة والموحدة الشديدة المدني الثقفي أبو سعيد ثقة من الثالثة، روى عن زيد بن ثابت وسهل بن حنيف وعنه ابن شهاب وثقه غير واحد (عن سهل بن حنيف) ابن واهب الأنصاري الأوسي صحابي من أهل بدر واستخلفه علي على البصرة ومات في خلافته. قوله: (كنت ألقى من المذي شدة وعناء) قال في الصراح: عناء بالفتح والمد رنج ديدن (فكنت أكثر منه الغسل) من الإكثار، ومن للتعليل أي كنت أكثر الاغتسال لأجل خروج المذي (فقال إنما يجزئك) من الإجزاء أي يكفيك (من ذلك) أي من خروج المذي (الوضوء) بالرفع على الفاعلية (قال يكفيك أن تأخذ كفا من ماء فتنضح به ثوبك)، وفي رواية الأثرم يجزيك أن تأخذ حفنة من ماء فترش عليه، واستدل به على أن المذي إذا أصاب الثوب يكفي نضحه ورش الماء عليه ولا يجب غسله. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) والحديث أخرجه أيضاً أبو داود وابن ماجه. قوله: (ولا نعرفه في مثل هذا إلا من حديث محمد بن إسحاق في المذي مثل هذا) الذي وقع فهذه العبارة لفظ هذا مثل مرتين فالثاني تأكيد للأول والمعنى لا نعرف مثل هذا الحديث في باب المذي من نضح الثوب إذا أصابه المذي في حديث إلا في حديث محمد بن إسحاق. والحاصل أن محمد بن إسحاق متفرد بهذا عن سعيد بن عبيد. قوله: (واختلف أهل العلم في المذي يصيب الثوب فقال بعضهم لا يجزيء إلا الغسل وهو قول الشافعي وإسحاق) واستدل من قال بالغسل بحديث علي، قال كنت رجلاً مذاء الحديث، وفيه يغسل ذكره ويتوضأ، رواه مسلم، وبحديث عبد الله بن سعد وفيه: وكل فحل بمذي فتغسل من ذلك فرجك وأنثييك وتتوضأ وضوءك للصلاة رواه أبو داود، وقالوا حديث النضح والرش محمول على ذلك (وقال بعضهم يجزئه النضح وقال أحمد أرجو أن يجزئه النضح بالماء) والحجة لهم في ذلك حديث الباب، قال الشوكاني اختلف أهل العلم في المذي إذا أصاب الثوب فقال الشافعي وإسحاق وغيرهما لا يجزئه إلا الغسل، أخذا برواية الغسل وفيه أن رواية الغسل إنما هي في الفرج لا في الثوب الذي هو محل النزاع، فإنه لم يعارض رواية النضح المذكورة في الباب معارض فالاكتفاء به صحيح مجزئ وقال وقد ثبت في رواية الأثرم لفظ فترش عليه وليس المصير إلى الأشد بمتعين بل ملاحظة التخفيف من مقاصد الشريعة المألوفة فيكون فجزئاً كالغسل انتهى. قلت: كلام الشوكاني هذا عندي محل تأمل فتفكر.
(باب في المني يصيب الثوب) قال النووي في شرح مسلم: اختلف العلماء في طهارة مني الاَدمي، فذهب مالك وأبو حنيفة إلى نجاسته إلا أن أبا حنيفة قال يكفي في تطهيره فركه إذا كان يابساً، وهو رواية عن أحمد وقال مالك لا بد من غسله رطباً ويابساً، وقال الليث هو نجس ولا تعاد الصلاة منه، وقال الحسن لا تعاد الصلاة من المني في الثوب وإن كان كثيراً وتعاد منه في الجسد وإن قل وذهب كثيرون إلى أن المني طاهر روى ذلك عن علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وابن عمر وعائشة وداود وأحمد في أصح الروايتين، وهو مذهب الشافعي وأصحاب الحديث: وقد غلط من أوهم أن الشافعي منفرد بطهارته. ودليل القائلين بالنجاسة رواية الغسل. ودليل القائلين بالطهارة رواية الفرك، فلو كان نجسا لم يكف فركه كالدم وغيره. قالوا رواية الغسل محمولة على الاستحباب والتنزه واختيار النظافة انتهى كلام النووي. وقال الطحاوي بعد ذكر الآثار التي تدل على طهارة المني. فذهب الذاهبون إلى أن المني طاهر، قال العيني أراد بهؤلاء الذاهبين الشافعي وأحمد وإسحاق وداود انتهى، وقال الشوكاني في النيل. قالوا الأصل الطهارة فلا تنتقل عنها إلا بدليل وأجيب بأن التعبد بالإزالة غسلاً أو فركاً أو حتاً أو سلتاً أو حكاً ثابت، ولا معنى لكون الشي نجساً إلا أنه مأمور بإزالة بما أحال عليه الشارع، فالصواب أن المني نجس يجوز تطهيره بأحد الأمور انتهى. قلت كلام الشوكاني هذا حسن جيد 116- حدثنَاهَنّادٌ حدثنَا أَبُو مُعَاوِيةَ عَنِ الاْعْمَشِ عَنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ هَمّامِ بْنِ الْحَارثِ قَال: ضَافَ عائشةَ ضَيْفٌ، فَأمَرَتْ له بَمِلْحَفَةٍ صَفْرَاءَ فَنَامَ، فيها فَاحْتَلَمَ، فَاستَحْيَا أَنْ يُرْسِلَ بِهَا وبِهَا أَثَرُ الاحْتِلاَمِ، فَغَمَسهَا فِي الْمَاءِ، ثُمّ أَرْسَلَ بِهَا، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لم أَفْسَدَ عَلَيْنَا ثَوْبنَا؟ إِنّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَفْرُكَهُ بِأَصَابِعِهِ. وَرُبّمَا فَرَكْتُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم بِأَصابِعِي. قال أبو عيسى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيحٌ. وَهُوَ قَوْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ منْ أصحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم (وَالتّابِعينَ) وَمَنْ بَعْدَهُمْ منَ الْفُقَهاءِ، مِثْلِ سُفْيَانَ (الثّورِيّ، والشّافِعِيّ)، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، قالوا فِي المَنِيّ يُصِيبُ الثوْبَ: يجْزِئُهُ الفَرْكُ وَإِنْ لَمْ يُغْسَلْ. وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبرَاهِيمَ عَنْ همّام ابْنِ الْحارِثِ عَنْ عَائِشَةَ مِثْلَ رِوايَةِ الأعْمَشِ. وَرَوَى أَبو مَعْشَرٍ هَذَا الْحَدِيث عَنْ إِبْراهِيمَ عَنِ الأْسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ وَحَدِيثُ الأعْمَشِ أَصَحّ. قوله: (ضاف عائشة ضعيف) أي نزل عليها قال في القاموس: ضفته وأضيفه ضيفاً وضيافة بالكسر نزلت عليه ضيفاً انتهى وقال في النهاية: وفي حديث عائشة ضافها ضيف ضفت الرجل إذا نزلت به في ضيافة وأضفته إذا أنزلته وتضيفته إذا نزلت به وتضيفني إذا أنزلني (فأمرت له بملحفة) قال في القاموس: لحاف ككتاب ما يلتحف به، واللباس فوق سائر اللباس من دثار البرد ونحوه كالملحفة، وقال في الصراح: ملحفة بالكسر جادر (وبها أثر الاحلام) أي أثر المني الواو حالية (إنماً كان يكفيه أن يفركه) أي يدلكه حتى يذهب الأثر من الثوب. واستدل بهذا الحديث من قال بطهارة المني وقال إن كان المني نجساً لم يكف فركه كالدم وغيره. وأجيب بأن ذلك لا يدل على الطهارة وإنما يدل على كيفية التطهير، فغاية الأمر أنه نجس خفف في تطهيره بما هو أخف من الماء، والماء لا يتعين لإزالة جميع النجاسات وإلا لزم عدم طهارة العذرة التي في النعل لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بمسحها في التراب ورتب على ذلك الصلاة فيها قاله الشوكاني. واستدلوا أيضاً بحديث عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلت المني من ثوبه يعرق الإذخر ثم يصلي فيه ويحته يابساً ثم يصلي فيه، رواه أحمد قال الحافظ في التلخيص: بإسناد حسن وذكره الحافظ الزيلعي في نصب الراية وسكت عنه، وبحديث عائشة أنها كانت تسلت المني من ثوبه بعرق الإذخر ثم يصلي فيه رواه ابن خزيمة ذكره الحافظ في الفتح وسكت عنه، وبأثر ابن عباس أنه قال في المني يصيب الثوب قال: أمطه بعود أو إذخرة فإنما هو بمنزلة المخاط أو البصاق، رواه البيهقي في المعرفة وصححه. قلت في الاستدلال بحديث عائشة الأول وكذا بالثاني نظر، لما عرفت آنفاً وأما أثر ابن عباس فهو قوله وليس بموفوع. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه. قوله: (وهو قول غير واحد من الفقهاء مثل سفيان وأحمد وإسحاق قالوا في المني يصيب الثوب بجزئه الفرك وإن لم يغسله) وهو قول أبي حنيفة إذا كان يابساً وقال مالك لا بد من غسله رطباً كان أو يابساً كما تقدم. قوله: (وهكذا روى عن منصور عن إبراهيم عن همام بن الحارث عن عائشة مثل رواية الأعمش) أي كما روى الأعمش عن إبراهيم عن همام عن عائشة كذلك رواه منصور أيضاً وحديث منصور أخرجه مسلم وكذلك رواه الحاكم أيضاً وحديثه أخرجه أبو داود (وروى أبو معشر هذا الحديث عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة) وكذلك أيضاً رواه حماد ومغيرة وواصل والأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة وحديث أبي معشر ومغيرة وواصل والأعمش عند مسلم وحديث حماد عند أبي داود (وحديث الأعمش أصح) لا أدري ماوجه كون حديث الأعمش أصح فإن الأعمش كما لم بتفرد برواية الحديث عن إبراهي عن همام عن عائشة بل تابعه منصور والحكم كذلك لم يتفرد أبو معشر بروايته عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة بل تابعه حماد ومغيرة وواصل والأعمش والظاهر أن حديث الأعمش وحديث أبي معشر كليهما صحيحان ليس واحد منهما أصح من الاَخر والحديث سمعه إبراهيم عن همام والأسود كليهما، ففي صحيح مسلم حدثنا عمر بن حفص بن غياث قال نا أبي عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود وهمام عن عائشة إلخ والله تعالى أعلم.
117- حَدّثنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ قَالَ حَدّثنَا أبُو مُعَاوَيَةَ عَنْ عمْرِو بْن مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَائِشَةَ: "أَنّهَا غَسَلَتْ مَنِيّا مِنْ ثوْبِ رَسول الله صلى الله عليه وسلم". قال أبو عيسى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيحٌ. (وفي البابِ عَنِ ابنِ عبّاسٍ). وَحَدِيثُ عَائِشَةَ: "أَنّهَا غَسَلَتْ مَنِيّا مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم". لَيْسَ بِمُخَالِفٍ لِحَدِيثِ الْفَرْكِ، لأِنّهُ وَإِنْ كانَ الْفَرْكُ يُجْزِيءُ: فَقَدْ يُسْتَحَبّ لِلرّجُل أنْ لاَ يُرَىَ عَلَى ثَوْبِهِ أَثَرُهُ. قَالَ ابْنُ عَبّاسٍ: الْمنِيّ بِمنْزِلَةِ المُخَاطِ، فَأَمِطْهُ عَنْكَ ولو بِإِذْخِرَةٍ. قوله: (عن سليمان بن يسار) الهلالي المدني مولى ميمونة وقيل أم سلمة ثقة فاضل أحد الفقهاء السبعة من كبار الثالثة مات بعد المائة وقيل قبلها. قوله: (أنها غسلت منياً من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم) استدل بهذا الحديث من قال بنجاسة المني وأجاب القائلون بطهارته بأنه محمول على الاستحباب، وللقائلين بالنجاسة دلائل أخرى ذكرها صاحب آثار السنن وقد ذكرنا ما فيها من الكلام في كتابنا أبكار المنن وإن شئت الوقوف على أدلة الفريقين مع ما لها وما عليها فإرجع إليه. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الأئمة الستة. قوله: (حديث عائشة أنها غسلت منياً من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بمخالف لحديث الفرك إلخ) قال الحافظ في فتح الباري: وليس بين حديث الغسل وحديث الفرك تعارض لأن الجمع بينهما واضح على القول بطهارة المني بأن يحمل الغسل على الاستحباب للتنظيف لا على الوجوب وهذه طريقة الشافعي وأحمد وأصحاب الحديث، وكذا الجمع ممكن على القول بنجاسته بأن يحمل الغسل على ما كان رطباً والفرك على ما كان يابساً، وهذه طريقة الحنفية، والطريقة الأولى أرجح لأن فيها العمل بالخبر والقياس معاً لأنه لو كان نجساً لكان القياس وجوب غسله دون الاكتفاء بفركه كالدم وغيره وهم لا يكتفون فيما لا يعفي عنه من الدم بالفرك ويرد الطريقة الثانية أيضاً ما في رواية ابن خزيمة من طريق أخرى عن عائشة كانت تسلت المني من ثوبه بعرك الإذخر ثم يصلي فيه ويحكه من ثوبه يابساً ثم يصلي فيه فإنه يتضمن ترك الغسل في الحالتين، وأما مالك فلم يعرف العرك وقال إن العمل عندهم على وجوب الغسل كسائر النجاسات وحديث الفرك حجة عليهم انتهى كلام الحافظ. قوله: (قال ابن عباس المني بمنزلة المخاط فأمطه) من الإماطة وهي الإزالة (ولو بإذخرة) بكسر الهمزة وسكون الذال المعجمة وكسر الخاء حشيش طيب الريح، وأثر ابن عباس هذا أخرجه البيهقي في المعرفة وقال هذا هو الصحيح موقوف، وقد روى عن شريك عن ابن أبي ليلى عن عطاء مرفوعاً ولا يثبت كذا في نصب الراية.
118- حدثنَا هَنّادٌ حدثنَا أَبُو بَكْر بْنُ عَيّاشٍ عَن الأعْمَشِ عَنْ أَبي إسْحَق عَنِ الأَسْودِ عنْ عَائشَةَ س/ قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ (وَ) لاَ يَمسّ مَاءً". 119- حدثنا هَنّادٌ حدثنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي إِسْحاقَ: نَحْوَهُ. قال أبو عيسى: وَهَذَا قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ المُسَيّبِ وَغَيْرِهِ. وقَدْ رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم: "أَنّهُ كَانَ يَتَوضّأُ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ".
وَهَذَا أَصَحّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الأَسْوَدِ. وَقَدْ رَوَى عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ هَذَا الْحَدِيثَ شُعْبَةُ وَالثّوْرِيّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ. وَيرَوْنَ أَنّ هَذَا غَلَطٌ مِنْ أَبِي إسْحاقَ. قوله: (ثنا أبو بكر بن عياش) بتحتانية مشددة وشين معجمة ابن سالم الأسدي الكوفي المقرئ الحناط، مشهور بكنيته والأصح أنها اسمه، وقيل اسمه محمد، وقيل غير ذلك. ثقة عابد إلاّ أنه لما كبر ساء حفظه وكتابه صحيح وروايته في مقدمة مسلم كذا في التقريب، وقال في مقدمة فتح الباري قال أحمد ثقة وربما غلط، وقال أبو نعيم لم يكن في شيوخنا أكثر غلطاً منه وسئل أبو حاتم عنه وعن شريك فقال هما في الحفظ سواء غير أن أبا بكر أصح كتاباً وذكره ابن عدي في الكامل وقال لم أجد له حديثاً منكراً من رواية الثقات عنه، وقال ابن حبان كان يحيى القطان وعلي بن المديني يسيئان الرأي فيه وذلك أنه لما كبر ساء حفظه فكان يهم، وقال ابن سعد كان ثقة صدوقاً عالماً بالحديث إلا أنه كثير الغلط، وقال العجلي كان ثقة صاحب سنة وكان يخطئ بعض الخطأ وقال يعقوب بن شيبة كان له فقه وعلم ورواية وفي حديثه اضطراب. قلت لم يرو له مسلم إلا شيئاً في مقدمة صحيحه، وروى له البخاري أحاديث. قلت ثم ذكر الحافظ أحاديث أكثرها بمتابعة غيره. قوله: (كان النبي صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب ولا يمس الماء) فيه دليل على أن الجنب يجوز له أن ينام قبل أن يغتسل وقبل أن يتوضأ لكن الحديث فيه مقال كما ستقف، والحديث أخرجه أيضاً أبو داود وغيره. قوله: (وقد روى غير واحد عن الأسود عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه كان يتوضأ قبل أن ينام) يعني أن غير واحد رووا عن الأسود عن عائشة هذا اللفظ، وخالفهم أبو إسحاق فروى عن الأسود عن عائشة بلفظ كان النبي صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب ولا يمس ماء (ويرون أن هذا غلط من إبي إسحق) قال ابن العربي في العارضة، تفسير غلط أبي إسحاق هو أن هذا الحديث الذي رواه أبو إسحاق ههنا مختصراً اقتطعه من حديث طويل فأخطأ في اختصاره إياه، ونص الحديث الطويل ما رواه أبو غسان حدثنا زهير بن حرب حدثنا أبو إسحق قال أتيت الأسود بن يزيد وكان لي أخا وصديقاً فقلت يا أبا عمرو حدثني ما حدثتك عائشة أم المؤمنين عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام أول الليل ويحيي آخره ثم إن كانت له حاجة قضى حاجته ثم ينام قبل أن يمس ماء فإذا كان عند النداء الأول وثب وربما قالت قام فأفاض عليه الماء، وما قالت اغتسل وأنا أعلم ما تريد، وإن نام جنباً توضأ وضوء الرجل للصلاة. فهذا الحديث الطويل فيه وإن نام وهو جنب توضأ وضوء الصلاة فهذا يدلك على أن قوله فإن كانت له حاجة قضى حاجته ثم ينام قبل أن يمس ماء أنه يحتمل أحد وجهين إما أن يريد بالحاجة حاجة الإنسان من البول والغائط فيقضيها ثم يستنجي ولا يمس ماء وينام فإن وطئ توضأ كما في آخر الحديث، ويحتمل أن يريد بالحاجة حاجة الوطء وبقوله ثم ينام ولا يمس ماء يعني ماء الاغتسال، ومن لم يحمل الحديث على أحد هذين الوجهين تناقض أوله وآخره فتوهم أبو إسحاق أن الحاجة هي حاجة الوطء فنقل الحديث على معنى ما فهم والله أعلم انتهى كلام ابن العربي. قلت: وقد تكلم في هذا الحديث غير واحد من الحفاظ قال أحمد ليس بصحيح وقال أبو داود هووهم، قال يزيد بن هارون هو خطأ وقال مهنا عن أحمد بن صالح لا يحل أن يروى هذا الحديث، وفي علل الأثرم لو لم يخالف أبا إسحاق في هذا إلا إبراهيم وحده لكفي، قال ابن مفوز: أجمع المحدثون أنه خطأ من أبي إسحاق، قال الحافظ وتساهل في نقل الإجماع فقد صحح البيهقي وقال إن أبا إسحاق قد بين سماعه من الأسود في رواية زهير عنه.
120- حَدّثنا مُحَمّدُ بْنُ المُثَنّى حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَن ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ: "أَنّهُ سَأَلَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: أَيَنَامُ أَحَدُنَا وَهُوَ جُنُبٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِذَا تَوَضّأَ". قَالَ: وفي البابِ عَنْ عَمّارٍ، وَعَائِشَةَ، وَجَابِرٍ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَأَمّ سَلَمَةَ. قال أبو عيسى حَدِيثُ عُمَرَ أَحْسَنُ شَيْءٍ في هَذَا الْبَابِ وَأَصَحّ. وَهُوَ قَوْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَالتّابِعِينَ، وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثّوْرِيّ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَالشّافِعِيّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحاقُ، قَالُوا: إِذَا أَرَادَ الجُنُبُ أَنْ يَنَامَ تَوَضّأَ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ. قوله: (قال نعم إذا توضأ) المراد به الوضوء الشرعي لا اللغوي، لما رواه البخاري عن عائشة قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام وهو جنب غسل فرجه وتوضأ للصلاة. قال الحافظ في الفتح أي توضأ وضوء كما للصلاة، وليس المعنى أنه توضأ لأداء الصلاة وإنما المراد توضأ وضوءاً شرعياً لا لغوياً انتهى، وقد اختلف العلماء هل هو واجب أو غير واجب، فالجمهور قالوا بالثاني، واستدلوا بحديث عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب ولا يمس ماء وقد تقدم أن فيه مقالا لا ينتهض به للاستدلال، وبحديث طوافه صلى الله عليه وسلم على نسائه بغسل واحد ولا يخفى أنه ليس فيه على المدعي هنا دليل، وبحديث ابن عباس مرفوعاً إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة ليس فيه أيضاً دليل على المدعي كما لا يخفى، وذهب داود وجماعة إلى الأول لورود الأمر بالوضوء، ففي رواية البخاري ومسلم ليتوضأ ثم لينم، وفي رواية لهما توضأ واغسل ذكرك ثم نم، قال الشوكاني: يجب الجمع بين الأدلة بحمل الأمر على الاستحباب، ويؤيد ذلك أنه أخرج ابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما من حديث ابن عمر أنه سئل النبي صلى الله عليه وسلم أينام أحدنا وهو جنب قال نعم ويتوضأ إن شاء انتهى، وقال النووي في شرح مسلم: وأما حديث أبي إسحاق السبيعي عن الأسود عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينام وهو جنب ولا يمس ماء رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وغيرهم فهو ضعيف، ولو صحح لم يكن مخالفاً يعني لحديث ابن عمر المذكور في الباب وما في معناه، بل كان له جوابان أحدهما جواب الإمامين الجليلين أبي العباس بن سريج وأبي بكر البيهقي أن المراد لا يمس ماء للغسل والثاني وهو عندي حسن أن المراد أنه كان في بعض الأوقات لا يمس ماء أصلاً لبيان الجواز إذ لو واظب عليه لتوهم وجوبه انتهى. قوله: (وفي الباب عن عمار وعائشة وجابر وأبي سعيد وأم سلمة) أما حديث عمار فأخرجه أحمد والترمذي. وأما حديث عائشة فأخرجه الجماعة عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام وهو جنب غسل فرجه وتوضأ وضوءه للصلاة، وأما حديث جابر فلم أقف عليه. وأما حديث أم سلمة فأخرجه الطبراني في الكبير عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة وإذا أراد أن يطعم غسل يديه. قال الهيثمي في مجمع الزوائد رجاله ثقات. قوله: (قالوا إذا أراد الجنب أن ينام توضأ) أي على سبيل الاستحباب. وهو قول الجمهور كما تقدم.
121- حدثنَا إسْحَقُ بنُ مَنْصُورٍ حَدّثَنَا يَحْيَى بنُ سعِيدٍ الْقَطّانُ حدّثنَا حُمَيْدٌ الطّويلُ عَنْ بَكْرِ بنِ عَبْدِ الله المُزنِيّ عَنْ أَبي رَافِعٍ عنْ أَبي هُرَيْرَةَ: "أَنّ النبي صلى الله عليه وسلم لَقِيَهُ وَهُوَ جُنُبٌ، قَالَ (فَانْجَسْتُ أَيْ) فَانْخَنَسْتُ فَاغْتَسَلْتُ، ثُمّ جِئْتُ، فَقَالَ: أَيْنَ كُنْتَ؟ أَوْ: أَينَ ذَهَبْتَ؟ قلت: إِنّي كُنْتُ جُنُباً. قَالَ: إِنّ المُسْلِمَ لاَ يَنْجُسُ". قَالَ وفي البابِ عَنْ حُذَيْفَةَ، (وابنِ عَبّاسٍ). قال أبو عيسى: (وَ) حَدِيثُ أَبي هُرَيرَةَ (أَنّهُ لَقِيَ النبي صلى الله عليه وسلم وَهُوَ جُنُبٌ): حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَدْ رَخّصَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي مُصَافَحَةِ الجُنُبِ، وَلَمْ يَرَوْا بَعَرَقِ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ بَأْساً. (وَمَعْنَى قَوْلِهِ "فَانْخَنَسْتُ" يعْني: تَتَحّيْتُ عَنْهُ). قوله: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه) أي أبا هريرة وفي رواية البخاري لقيني (وهو جنب) أي والحال أن أبا هريرة كان جنباً (قال) أي أبو هريرة (فانخنست) بنون ثم خاء معجمة ثم نون ثم سين مهملة أي تنحيت. قال في القاموس انخنس تأخر وتخلف، وفي رواية للبخاري فانسللت قال الحافظ أي ذهبت في خفية (فقال أين كنت أو أين ذهبت) شك من الراوي (إن المؤمن لا ينجس) قال النووي يقال بضم الجيم وفتحها لغتان وفي ماضيه لغتان نجس ونجس بكسر الجيم وضمها فمن كسرها في الماضي فتحها في المضارع ومن ضمها في الماضي ضمها في المضارع أيضاً انتهى قال الحافظ: تمسك بمفهومه بعض أهل الظاهر فقال إن الكافر نجس العين، وقواه بقوله تعالى (إنما المشركون نجس). وأجاب الجمهور عن الحديث بأن المراد أن المؤمن طاهر الأعضاء لاعتياده مجانبة النجاسة بخلاف المشرك لعدم تحفظه عن النجاسة، وعن الاَية بأن المراد أنهم نجس في الإعتقاد. وحجتهم أن الله تعالى أباح نكاح نساء أهل الكتاب، ومعلوم أن عرقهن لا يسلم منه من يضاجعهن ومع ذلك، فلم يجب عليه من غسل الكتابية إلا مثل ما يجب عليه من غسل المسلمة، فدل على أن الاَدمي الحي ليس بنجس العين إذ لا فرق بين النساء والرجال انتهى. قال القاري نقلا عن ابن الملك: وما روي عن ابن عباس من أن أعيانهم نجسة كالخنزير وعن الحسن من صافحهم فليتوضأ فمحمول على المبالغة في التبعد عنهم والاحتراز منهم انتهى. قوله: (وفي الباب عن حذيفة) أخرجه البزار عنه قال صافحني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا جنب الهيثمي في مجمع الزوائد فيه مندل بن علي وقد ضعفه أحمد ويحيى بن معين في رواية ووثقه في أخرى ووثقه معاذ بن معاذ انتهى. قوله: (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان. قوله: (وقد رخص غير واحد من أهل العلم في مصافحة الجنب ولم يروا بعرق الجنب والحائض بأساً) في شرح السنة: فيه يعني في حديث أبي هريرة المذكور جواز مصافحة الجنب ومخالطته وهو قول عامة العلماء واتفقوا على طهارة عرق الجنب والحائض، وفيه دليل على جواز تأخير الاغتسال للجنب وأن يسعى في حوائجه كذا في المرقاة، واستدل به الإمام البخاري على طهارة عرق الجنب لأن بدنه لا ينجس بالجناية فكذلك ما تحلب منه.
122- حَدّثَنَا ابنُ أَبِي عُمَرَ حَدّثَنَا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبي سَلمَةَ عَنْ أمّ سلمة قَالَتْ: "جَاءَتْ أُمّ سُليْمِ بِنْتُ مِلْحَانَ إلَى النّبي صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله، إِنّ الله لاَ يَسْتَحْيِى مِنَ الحَقّ فَهَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ- تَعْنِي غُسْلاً- إِذَا هِيَ رَأَتْ فِي المَنَامِ مِثْلَ مَا يَرَى الرّجُلُ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِذَا هِيَ رَأَتِ الْمَاءَ فَلْتغْتَسِلْ. قَالَتْ أُمّ سَلمَةَ: قُلْتُ لَهَا: فَضَحْتِ النّسَاءَ يَا أُمّ سُلَيْمٍ". قال أبو عيسى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَهُوَ قَوْلُ عَامّةِ الفُقَهَاءِ: أنّ الْمَرْأَةَ إِذَا رَأتْ فِي الْمَنَامِ مِثْلَ مَا يَرَى الرّجُلُ فَأَنْزَلَتْ: أَنّ عَلَيْهَا الْغُسْلَ. وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثّوْريّ، والشّافِعِيّ. (قَالَ): وفي البابِ عَنْ أُمّ سُليْم، وخَوْلَةَ، وَعَائِشَةَ، وَأَنَسٍ. قوله: (جاءت أم سليم ابنة ملحان) بكسر الميم وسكون اللام والحاء المهملة هي أم أنس بن مالك وفي اسمها خلاف، تزوجها مالك بن النضر أبو أنس بن مالك فولدت له أنساً ثم قتل عنها مشركاً فأسلمت فخطبها أبو طلحة وهو مشرك فأبت ودعته إلى الإسلام فأسلم وقالت أني أتزوجك ولا آخذ منك صداقاً لإسلامك فتزوجها أبو سلمة روى عنها خلق كثير (إن الله لا يستحيي من الحق) قدمت هذا القول تمهيداً لعذرها في ذكر ما يستحيي منه والمراد بالحياء هنا معناه اللغوي إذ الحياء الشرعي خير كله والحياء لغة تغير وانكسار وهو مستحيل في حق الله تعالى فيحمل هنا على أن المراد أن لا يأمر بالحياء في الحق أولاً يمنع من ذكر الحق، وقد يقال إنما يحتاج إلى التأويل في الإثبات ولا يشترط في النفي أن يكون ممكناً لكن لما كان المفهوم يقتضي أنه يستحيي من غير الحق عاد إلى جانب الإثبات فاحتيج إلى تأويله قاله ابن دقيق العيد كذا في الفتح (فهل على المرأة تعني غسلاً إذا هي رأت في المنام مثل ما يرى الرجل) وفي رواية أحمد من حديث أم سليم أنها قالت يا رسول الله إذا رأت المرأة أن زوجها يجامعها في المنام أتغتسل (قال نعم إذا هي رأت الماء) أي المني بعد الاستيقاظ (فلتغتسل) فيه دليل على وجوب الغسل على المرأة بالإنزال وكأن أم سليم لم تسمع حديث الماء من الماء أو سمعته وقام عندها ما يوهم خروج المرأة عن ذلك، وهو ندور بروز الماء منها وقد روى أحمد من حديث أم سليم هذه القصة أن أم سلمة قالت يا رسول الله وهل للمرأة ماء فقال هن شقائق الرجال، وروى من حديث خولة بنت حكيم في نحو هذه القصة ليس عليها غسل حتى تنزل كما ينزل الرجل (فضحت النساء يا أم سليم) إذ حكيت عنهن ما يدل على كثرة شهوتهن، قاله في مجمع البحار، وقال الحافظ هذا يدل على أن كتمان مثل ذلك من عادتهن لأنه يدل على شدة شهوتهن للرجال. قوله: (هذا حديث صحيح) وأخرجه الشيخان. قوله: (وفي الباب عن أم سليم وخولة وعائشة وأنس) أما حديث أم سليم فأخرجه مسلم وأما حديث خولة فأخرجه النسائي وأحمد، وأما حديث عائشة فأخرجه مسلم، وأما حديث أنس فأخرجه أيضاً مسلم.
(باب في الرجل يستدفئ بالمرأة بعد الغسل) أي يطلب الدفاءة بفتحتين والمد وهي الحرارة بأن يضع أعضاءه على أعضائها 123- حدثنَا هَنّادٌ حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ حُرَيْثٍ عَن الشّعْبيّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "رُبّمَا اغْتَسَلَ النبي صلى الله عليه وسلم مِنَ الْجَنابَةِ ثُمّ جَاءَ فَاسْتَدْفَأ بي فَضَمَمْتُهُ إليّ وَلَمْ أَغْتَسِلْ". قال أبو عيسى: هَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ بِإِسْنَادِهِ بَأْسٌ. وَهُوَ قَوْلُ غَيْر وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلمِ مِنْ أَصْحَابِ النبي صلى الله عليه وسلم وَالتّابِعِينَ: أَنّ الرّجُلَ إِذَا اغْتَسَلَ فَلاَ بَأْسَ بِأَنْ يَسْتَدْفِئَ بامْرَأَتِهِ وَيَنَامَ مَعَهَا قَبْلَ أَنْ تَغْتَسِلَ المرأَةُ وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَوْرِيّ، وَالشّافِعِيّ، وَأَحْمَدُ، وَإسْحاقُ. قوله: (ثم جاء فاستدفأ بي) أي طلب الحرارة مني بأن وضع أعضاءه الشريفة على أعضائي من غير حائل وجعلني مكان الثوب الذي يستدفأ به ليجد السخونة من بدني، كذا في اللمعات وفي المرقاة قال السيد جمال الدين أي يطلب مني الحرارة، ومنه قوله تعالى (لكم فيها دفء) أي ما تستدفؤون به، وفيه أن بشرة الجنب طاهرة لأن الاستدفاء إنما يحصل من مس البشرة كذا في الطيبي وفيه بحث انتهى. قال القاري ولعله أراد أن الاستدفاء يمكن مع ا لثوب أيضاً (فضممته إلي ولم أغتسل) والحديث رواه ابن ماجة ولفظه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل من الجنابة ثم يستدفئ بي قبل أن أغتسل. قال القاري في المرقاة سنده حسن. قوله: (هذا الحديث ليس بإسناده بأس) وأخرجه ابن ماجه وتقدم لفظه آنفا.
124- حَدّثَنَا مُحَمّدُ بن بَشّارٍ وَمَحْمُودُ بنُ غَيْلاَن قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزّبَيْرِيّ حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ خَالِدٍ الحَذّاءِ عن أبي قلابة عن عمرو بن بُجْدان عَنْ أَبِي ذَرّ أَنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنّ الصّعِيدَ الطّيّبَ طَهُورُ المُسْلِمِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدِ المَاءَ عَشْرَ سنِينَ، فَإِذَا وَجَدَ المَاءَ فَلْيُمِسّهُ بَشَرَتَهُ، فَإِنّ ذَلِكَ خَيْرٌ". وَقَالَ مَحْمُودٌ فِي حَدِيثِهِ: "إِنّ الصّعِيدَ وَضُوءُ المُسْلِمِ". (قَالَ): وفي البابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو، وَعِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ. قال أبو عيسى: وَهَكَذَا رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ خَالِدٍ الْحَذّاءِ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ عَمْرِو بن بُجْدَانَ عَنْ أبِي ذَرّ. وَ (قد) رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أَيّوبُ عنْ أَبي قِلاَبَةَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عَامِرٍ عَنْ أَبِي ذَرّ وَلَمْ يُسمّهِ. (قَالَ): وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ (صَحِيحٌ). وَهُو قَولُ عَامّةِ الْفُقَهَاءِ: أنّ الْجُنُبَ وَالْحَائِضَ إِذَا لَمْ يَجِدَا الْماءَ تَيَمّما وَصَلّيا. وَيُرْوَى عن ابن مَسْعُودٍ: أَنّهُ كَانَ لاَ يَرى التّيَمّمَ لِلْجُنُبِ، وَإنْ لَمْ يَجد الْماءَ. وَيُرْوَى عَنه: أَنّه رَجَعَ عَنْ قولِهِ، فقال: يَتَيَمّمُ إذَا لَمْ يَجدِ الْماءَ. وَبه يَقولُ سَفْيانُ (الثورِيّ)، وَمَالِكٌ، وَالشّافِعِيّ، وَأَحْمَدُ، وَإسحاق. قوله: (نا سفيان) هو الثوري (عن خالد الحذاء) بفتح المهملة وتشديد الذال المعجمة وخالد هذا هو ابن مهران أبو المنازل البصري ثقة من رجال الستة، وقيل له الحذاء لأنه كان يجلس عندهم وقيل لأنه كان يقول: أحذ على هذا النحو (عن أبي قلابة) بكسر القاف اسمه عبد الله بن زيد بن عمرو أو عامر الجرمي البصري ثقة فاضل كثير الإرسال مات سنة أربع ومائة وقيل سنة ست وقيل سنة سبع (عن عمرو بن بجدان) بضم الموحدة وسكون الجيم العامري البصري تفرد عنه أبو قلابة لا يعرف حاله، قاله الحافظ في التقريب، وقال الخزرجي في الخلاصة وثقه ابن حبان ووثقه العجلي أيضاً كما ستقف. قوله: (إن الصعيد الطيب) أي الطاهر المطهر. قال في القاموس الصعيد التراب أو وجه الأرض (طهور المسلم) وفي رواية أبي داود وضوء المسلم (وإن لم يجد الماء عشر سنين) كلمة إن للوصل والمراد من عشر سنين الكثرة لا المدة المقدرة، قال القاري وفيه دلالة على أن خروج الوقت غير ناقض للتيمم بل حكمه حكم الوضوء كما هو مذهبنا يعني الحنفية، قال وما صح عن ابن عمر أنه يتيمم لكل صلاة وإن لم يحدث محمول على الاستحباب انتهى، قلت الأمر كما قال القاري (فإذا وجد الماء فليمسه) بضم الياء وكسر الميم من الإمساس (بشرته) بفتحتين ظاهر الجلد أي فليوصل الماء إلى بشرته وجلده (فإن ذلك) أي الإمساس (خير) أي من الخيور، وليس معناه أن كليهما جائز عند وجود الماء، لكن الوضوء خير بل المراد أن الوضوء واجب عند وجود الماء، ونظيره قوله تعالى (أصحاب الجنة يومئذ خير مستقراً وأحسن مقيلاً) مع أنه لا خير ولا أحسنية لمستقر أهل النار. قوله: (وفي الباب عن أبي هريرة وعبد الله بن عمرو وعمران بن حصين) أما حديث أبي هريرة فأخرجه البزار عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الصعيد وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشره فإن ذلك خير، قال الهيثمي في مجمع الزوائد رجاله رجال الصحيح، وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه أحمد عنه قال جاء رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله الرجل يغيب لا يقدر على الماء أيجامع أهله قال نعم. قال الهيثمي فيه الحجاج بن أرطاة وفيه ضعف ولا يتعمّد الكذب، وأما حديث عمران بن حصين فأخرجه الشيخان عنه قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فصلى بالناس فإذا هو برجل معتزل، فقال ما منعك أن تصلي قال أصابتني جنابة ولا ماء قال عليك بالصعيد فإنه يكفيك. قوله: (وقد روى هذا الحديث أيوب عن أبي قلابة عن رجل من بني عامر عن أبي ذر ولم يسمه) رواه أبو داود في سننه من طريق موسى بن إسمعيل نا حماد عن أيوب إلخ قال المنذري في تلخيصه وهذا الرجل الذي من بني عامر هو عمرو بن بجدان المتقدم في الحديث قبله، سماه خالد الحذاء عن أبي قلابة وسماه سفيان الثوري عن أيوب رضي الله عنهم انتهى. قوله: (وهذا حديث حسن) وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة وقال الشوكاني في النيل ورواه ابن حبان والحاكم والدارقطني وصححه أبو حاتم، وعمرو بن بجدان قد وثقه العجلي قال الحافظ وغفل ابن القطان فقال إنه مجهول انتهى ما في النيل، قلت وقد غفل الحافظ أيضاً فإنه قال في التقريب لا يعرف حاله. تنبيه: قد اختلفت نسخ الترمذي ههنا فوقع في النسخ الموجودة عندنا هذا حديث حسن وقال المنذري في تلخيص السنن قال الترمذي حديث حسن صحيح انتهى وقال ابن تيمية في المنتقى بعد ذكر هذا الحديث رواه أحمد والترمذي وصححه انتهى. قوله: (وهو قول عامة الفقهاء أن الجنب والحائض إذا لم يجد الماء) أي كل واحد منهما، وفي نسخة قلمية عتيقة إذا لم يجدا الماء بصيغة التثنية وهو الظاهر (تيمما وصليا إلخ) قال الشوكاني في النيل: وقد أجمع على ذلك العلماء ولم يخالف فيه أحد من السلف والخلف إلا ما جاء عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود، وحكي مثله عن إبراهيم النخعي من عدم جوازه للجنب وقيل أن عمر وعبد الله رجعا عن ذلك وقد جاءت بجوازه للجنب الأحاديث الصحيحة وإذا صلى الجنب بالتيمم ثم وجد الماء وجب عليه الإغتسال بإجماع العلماء إلا ما يحكى عن أبي سلمة بن عبد الرحمن الإمام التابعي أنه قال لا يلزمه وهو مذهب متروك بإجماع من بعده ومن قبله وبالأحاديث الصحيحة المشهورة في أمره صلى الله عليه وسلم للجنب بغسل بدنه إذ وجد الماء انتهى.
(باب في المستحاضة) الاستحاضة جريان الدم من فرج المرأة في عرق يقال له العاذل بعين مهملة وذال معجمة يقال استحيضت المرأة استمر بها الدم بعد أيامها المعتادة فهي مستحاضة كذا في الفتح 125- حدّثنا هَنّادٌ حَدثنا وَكِيعٌ وَعَبْدةُ و أَبو مُعاوِيةَ عن هِشَام بن عُرْوَةَ عن أبيه عَن عَائِشَةَ قالتْ: "جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنت أَبي حُبَيْشٍ إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فَقالت: يا رَسُولَ الله، إِني امْرَأَةٌ أُسْتَحاضُ فَلاَ أَطْهُرُ، أَفَأَدَعُ الصّلاةَ؟ قال: لا، إنمَا ذلِكِ عِرْقٌ، وَلَيْسَتْ بِالْحيضَةِ، فإِذَا أَقْبَلَتِ الحَيْضَةُ فدَعِي الصّلاَةَ، وَإذا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلي عَنْكِ الدّمَ وَصَلّي". قال أَبو معاوِيةَ في حديثِه: "وَقال: تَوَضّئيِ لِكلّ صَلاَةٍ حتّى يَجِيءَ ذَلِك الوقْتُ". (قال): وفي الباب عن أُمّ سَلمَةَ. قال أبو عيسى: حديثُ عَائِشَةَ: ( "جَاءَتْ فَاطِمَةُ") حَديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ. وهُوَ قَوْلُ غَيْرِ واحدٍ من أَهلِ الْعِلْم مِنْ أصْحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَالتّابعينَ. وبه يقولُ سفيانُ الثوريّ، ومالك، وابن المبارك، والشافعيّ: أنّ المستحاضة إذا جَاوزتْ أيام أَقرَائِهَا اغْتَسَلَتْ وَتَوَضّأَتْ لكلّ صَلاَةٍ. قوله: (جاءت فاطمة ابنة أبي حبيش) بضم الحاء المهملة وفتح الموحدة وسكون المثناة التحتية، قال الحافظ في التقريب صحابية لها حديث في الاستحاضة (إني امرأة أستحاض) بصيغة المجهول (فلا أطهر) أي لا ينقطع عني الدم (أفأدع الصلاة) كانت قد علمت أن الحائض لا تصلي فظنت أن ذلك الحكم مقترن بجريان الدم من الفرج فأرادت تحقيق ذلك فقالت أفأدع الصلاة أي أتركها والعطف على مقدر بعد الهمزة لأن لها صدر الكلام أي أيكون لي حكم الحائض فأترك الصلاة (قال لا) أي لا تدعي الصلاة (إنما ذلك) بكسر الكاف أي الذي تشتكينه (عرق) بكسر العين المهملة أي دم عرق انشق وانفجر منه الدم أو إنما سببها عرق منها في أدنى الرحم (وليست) أي العلة التي تشتكينها وفي رواية الشيخين على ما في المشكاة ليس وهو الظاهر (بالحيضة) قال الحافظ بفتح الحاء كما نقله الخطابي عن أكثر المحدثين أو كلهم وإن كان قد اختار الكسر على إرادة الحالة لكن الفتح هنا أظهر وقال النووي وهو متعين أو قريب من المتعين لأنه صلى الله عليه وسلم أراد إثبات الاستحاضة ونفي الحيض، وأما قوله فإذا أقبلت الحيضة فيجوز فيه الوجهان معاً جوازاً حسناً انتهى كلامه. قال الحافظ والذي في روايتنا بفتح الحاء في الموضعين (فإذا أقبلت الحيضة) قال القاري بالكسر اسم للحيض ويؤيده رواية الفتح وقيل المراد بها الحالة التي كانت تحيض فيها وهي تعرفها فيكون رداً إلى العادة، وقيل المراد بها الحالة التي تكون للحيض من قوة الدم في اللون والقوام ويؤيده حديث عروة الذي يتلوه وهي لم تعرف أيامها فيكون رداً إلى التمييز، قال الطيبي وقد اختلف العلماء فيه فأبو حنيفة منع إعتبار التمييز مطلقاً والباقون عملوا بالتمييز في حق المبتدأة، واختلفوا فيما إذا تعارضت العادة والتمييز فأعتبر مالك وأحمد وأكثر أصحابنا التمييز ولم ينظروا إلى العادة وعكس ابن خيران انتهى. قلت: أراد بحديث عروة الذي رواه عروة عن فاطمة بنت أبي حبيش أنها كانت تستحاض فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان دم الحيض فإنه دم أسود يعرف فإذا كان ذلك فأمسكى عن الصلاة فإذا كان الاَخر فتوضئي وصلي فإنما هو عرق، رواه أبو داود والنسائي (فإغسلي عنك الدم وصلي) أي بعد الإغتسال وفي رواية للبخاري ثم إغتسلي وصلي. قوله: (قال أبو معاوية في حديثه وقال توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت) قال بعضهم إن هذا مدرج، وقد رد الحافظ في الفتح عليه وجزم بعضهم أنه موقوف على عروة، وقد رد الحافظ عليه أيضاً وقال ولم ينفرد أبو معاوية بذلك فقد رواه النسائي من طريق حماد بن زيد عن هشام، وادعى أن حماداً تفرد بهذه الزيادة وأمأ مسلم أيضاً إلى ذلك وليس كذلك، فقد رواها الدارمي من طريق حماد بن سلمة والسراج من طريق يحيى بن سليم كلاهما عن هشام انتهى، وفي الحديث دليل على أن المرأة إذا ميزت دم الحيض من دم الاستحاضة تعتبر دم الحيض وتعمل على إقباله وإدباره فإذا انقضى قدره اغتسلت عنه ثم صارحكم دم الاستحاضة حكم الحدث فتتوضأ لكل صلاة لكنها لا تصلى بذلك الوضوء أكثر من فريضة واحدة مؤادة أو مقضية لظاهر قوله ثم توضئي لكل صلاة وبهذا قال الجمهور. وعند الحنفية أن الوضوء متعلق بوقت الصلاة فلها أن تصلي به الفريضة الحاضرة وما شاءت من الفوائت ما لم يخرج وقت الحاضرة، على قولهم المراد بقوله توضئي لكل صلاة ففيه مجاز الحذف ويحتاج إلى دليل، وعند المالكية يستحب له الوضوء لكل صلاة ولا يجب إلا بحدث آخر، وقال أحمد وإسحاق إن اغتسلت لكل فرض فهو أحوط قاله الحافظ في الفتح، وقال ابن عبد البرليس في حديث مالك ذكر الوضوء لكل صلاة على المستحاضة وذكر في حديث غيره فلذا كان مالك يستحبه لها ولا يوجبه كما لا يوجبه على صاحب السلس قال الحافظ في الفتح: فإن قلت: قال في الهداية لنا قوله عليه السلام المستحاضة تتوضأ لوقت كل صلاة. قلت: قال الحافظ الزيلعي في تخريج الهداية غريب جداً، وقال الحافظ في الدراية لم أجده هكذا وإنما في حديث أم سلمة تتوضأ لكل صلاة. فإن قلت: قال ابن الهمام في فتح القدير نقلاً عن شرح مختصر الطحاوي روى أبو حنيفة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة بنت أبي حبيش توضئي لوقت كل صلاة فهذه الرواية بلفظ توضئي لوقت كل صلاة تدل على أن المراد بقوله توضئي لكل صلاة أي لوقت كل صلاة. قلت: نعم لو كان هذا اللفظ في هذا الطريق محفوظاً لكان دليلاً على المطلوب لكن في كونه محفوظاً كلاماً فإن الطرق الصحيحة كلها قد وردت بلفظ توضئي لكل صلاة وأما هذا اللفظ فلم يقع في واحد منها وقد تفرد به الإمام أبو حنيفة وهو سيء الحفظ كما صرح به الحافظ ابن عبد البر والله تعالى أعلم. قوله: (وفي الباب عن أم سلمة) أخرجه الخمسة إلا الترمذي كذا في المنتقى ولفظه أنها استفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المرأة تهراق الدم فقال لتنظر قدر الليالي والأيام التي كانت تحيضن وقدرهن من الشهر فتدع الصلاة ثم لتغتسل وتستثفر ثم تصلي. قوله: (حديث عائشة حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان.
|